Translate

السبت، يناير 21، 2012

مغامرة أديب - الجزء الثاني - إحباط

في بلد مليئة بالعباقرة .. أن تكون عبقري هو شأن طبيعي .. وإن كنت تسعى للتميز فلابد أن تكون غبياً
هكذا حدثت نفسي وأنا أنظر إلى أسماء عظماء الكتاب والأدباء في قائمة أكثر الكتب مبيعاً في العالم .. أحلم أن يغدو إسمي في صدر هذه الأسماء يوماً .. ولما لا .. لست أقل منهم في شيء .. قد أكون صغير السن .. قد أكون قليل الخبرات .. قد أكون لا أتميز بإسلوب أدبي شيق .. قد أكون لا أتقن النحويات .. قد أكون لا أتقن البلاغة .. !!
ما هذا .. يبدو أن علي دفن نفسي مبكراً إن كنت لا أتقن أي من تلك الأشياء .
أنا موقن أن عندي ما يميزني عن غيري حتى وإن كانت السذاجة التعبيرية .. وإني على ثقة أنه في يوم ما سيسطع نجمي في سماء الأدب .. ولسوف تنشر أعمالي على مستوى عالمي وستترجم إلى العديد من اللغات .. ولإن طال بي العمر سوف أشهادها على شاشة التلفاز .
قررت أن أبدأ طريقي نحو الشهرة والمجد بأن أقرأ لأشهر الأدباء والروائيين فقمت بإقتراض مبلغ من المال وتوجهت لمكتبة شهيرة في وسط البلد وإبتعت أشهر الروايات العالمية وبدأت في القراءة .
بنهم شديد إلتهمت الروايات .. عشرون ألف فرسخ تحت الماء .. الحب في زمن الكوليرا .. الفرسان الثلاثة .. أوليفر تويست .. والعديد من الروايات العالمية الرائعة .. ويبدو أن ثمة شيء ما غرس الطمأنينة في قلبي أن الطريق سهل جداً إلا أنه عندما بدأت في الروايات العربية اعتراني ضيق شديد لما لقيت من بلاغة أدبية رهيبة في التعبير والوصف حيث أن الروايات التي بدأت بها القراءة كانت مترجمة وبالتالي فقدت كثير من بلاغتها واسلوبها .. أما الروايات العربية فكتبت بلغتي الفصحى القوية والتي وجدت صعوبة شديدة في مجاراتها .
أحسست باليأس والإحباط .. أحسست أن المشوار سينتهي قبل أن يبدأ .. إلا أن طموحي كان أكبر من أي إحباط وأي يأس .. لذلك أخذت على عاتقي أن أكمل المشوار إلى آخره مهما كانت الصعوبات .
أنهيت مشروع القراءة وقد أتمتت مائة رواية لمختلف الأدباء على مستوى العالم وقررت أنا أبدأ كتابة أول عمل من إبداعي .
شرعت في العمل والبحث عن فكرة جديدة أكتب عنها .. وكلما إهتديت لفكرة جديدة أكتشف أنه قد سبقني إليها أديب من الأدباء في رواية أو كتاب .. إنتهت أفكاري ولم أهتدي إلى فكرة جديدة .. وللمرة الثانية تملكني الإحباط .. ولم أدر ماذا أفعل .. وكيف التميز بفكرة مقلدة .. لا بد وأن تكون الفكرة جديدة حتى يمكنني المنافسة .
ولما لم أجد أي فكرة جديدة قررت أن أعيد صياغة فكرة قديمة كتبت سابقاً .. وبالفعل بدأت في كتابة رواية كانت هي عملي الأول .. كانت خليط من مجموعة من الأفكار اجتمعت كلها بين دفتي كتاب من تأليفي أنا .. ويبدو أن عصري كان مليء بالأدباء لدرجة أن الرواية لم تعجب أحدا بل ولم تنل حتى محط نظر النقاد حيث أنني كنت من الصغر بما يحتاج منهم لعدسة مكبرة لرؤيتي وسط كل هؤلاء العمالقة .
مرة أخرى تملكني اليأس .. أظلمت الدنيا في وجهي .. مشيت في الشارع على غير هدى .. يتخبطني الناس ويتجاهلونني .. أخذت في السير حتى خرجت خارج حدود المدينة .. وفوجئت بأنني في الصحراء .. ولا زلت أسير .. ولا أعلم إلى أين تأخذني قدمي .. وفجأة لمحت وميض آت من بعيد .. خافت جدا لدرجة أنه غير مرأي تقريبا إلا أنني لمحته وسرت في إتجاهه .. كلما اقتربت النور يزداد وضوحاً .. عليّ أن أخاف على نفسي .. أنا الآن في وسط الصحراء وبعيد عن الطريق الرئيسي للمدينة .. إحتمالات وجود قطاع طرق قائمة .. احتمالات وجود الذئاب أكيدة .. وقد أعاني من سوء الحظ وأصطدم بسلعوة .. جائز .. المهم أنني اقتربت أكثر من الضوء حتى وجدته صادر عن خيمة موجودة بقلب الصحراء .
ناديت بصوت عال : السلام عليكم .. وانتظرت قليلاً .. لا مجيب .. : يا أهل المكان .. يبدو أن أصحاب الخيمة غير موجودين .. يدفعني الفضول إلى الدخول .. ولكن حرمة البيوت مصانة .. ولكن غرابة الخيمة ومكانها الغريب جعلت فضولي يغلي عن آخره .. لذا قررت الدخول .
المكان غريب جدا .. كمية كبيرة من البخور .. أشبه بخيمة دجال .. رؤوس حيوانات معلقة على الجدران .. صندوق كبير غريب الشكل كأنه من القرون الوسطى .. أريكة قديمة جدا تليق بساحر .. المكان يوحي بممارسة طقوس ما .. رائحة البخور قوية جدا .. أحس بدوار شديد برأسي .. أرقد على الأريكة .. وأغيب فجأة في سبات عميق .
أفيق لأجد عينان تنظران إلي بحدة .. أفتح عيناي بذهول .. : من أنت .. يرد صاحب العينين : بل من أنت .. وما هذه اللهجة الغريبة التي تتحدث بها .. نظرت إليه ملياً .. إنه رجل بدوي يقارب العقد الخامس من العمر ويتحدث بلهجة صحرواية غليظة ..فقلت له إني من ساكني المدينة .. فقال : أي مدينة تقصد .. قلت : القاهرة .. رد بإستغراب : ما سمعت عنها بعمري .. قلت : كيف وانت بجانب حدودها .. رد الرجل : لا يوجد بجزيرة الهلابؤ كلها مدينة تحمل هذا الإسم !! .. وهنا تملكني الإستغراب لآخره مما دفعني لسؤاله : أين نحن الآن .. قال لي : أنت بصحراء فسكونيا !!
وهنا .. كان لا بد لي من إغماءة أخرى للحبكة الدرامية للمشهد .

يتبع ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة