Translate

السبت، أكتوبر 06، 2012

تمام النقصان

حين وقف على شباك الدفع في ذلك المطعم المشهور في وسط القاهرة .. لم يتخيل أن اللحظة التالية ستشهد إحدى تحولاته النفسية العميقة .. فها هو يقف ماداً يده بورقة من فئة العشرين جنيهاً طالباً ما ظن أنه يسمن أو يغني من جوع .. وفي أثناء وقوفه في طابور الجائعين من ذوي الأموال .. وآخرون مجرد مشاهدين ينتظرون مساهمة من إنسان نادر الوجود في تلك البقعة .. في تلك اللحظة تحديداً وقعت عيناه على عيناه .

لم يدرك كيف أن مرآه وجدت فجأة بقلب طابور الجائعين لتعكس صورة عيناه فقط .. وللحظة التي مرت دهوراً نام مغناطيسياً .. وغاص في بحور شفافة تكشف عن مكنوناتها وكنوزها المدفونة في أعماق سحيقة يرى أدق تفاصيلها .. وحين قرر الإبتعاد بنظره مليمتراً واحداً إلى الوراء .. إكتشف أن محجر تلك العينان ليسو لوجهه .. وإنما لوجه آخر .. قطعة من لوحة فنية لم ترسم بعد .. قد ترسم يوماً وتباع بمليارات من الجنيهات .. وجه أبى أن يكون هناك مثيلاً له .. وجه يعكس كل ماهو فاتن .. يحمل أكثر عينين جاذبية رآهم في حياته بأسرها .. سواد عينيها الواسعتين يشي بقلب ينبض داخل عينيها .. يكفي النظر إليهما أن يأخذك إلى أبعد الآفاق .. ورموش تقف مائلة بأطراف تحمي مليكتها من أي هجوم من عين كاسرة .. يليها حاجبان ليسو بالرفيعان أو السمينان .. ولكن دقتهما توحي بمهارة خالقهم .. أسفل العينان أنف نهم للتنفس والحياه .. وأسفله فم مكتظ الشفاه .. قد خرج لتوه من فرن الخلق عليه ماركة مسجلة Kiss .. إستدارة الوجه تقول : أنا الأنثى الأصل .. أنا البداية .. من لم يعرفني .. لم يعرف شيئاً في حياته .. ومن لم يبتدأ بي .. سينتهي في اللحظة التالية .
يا أستاااااااااااذ
كان هذا صوت الكاشير يطلب معرفة ما سوف يطلبه .. إلا أنه كان قد نسى .. وقد نسى أصلاً أنه جوعان .. إلا أنه قد طلب ما يأكله عادة .. وأخذ تذكرته كي يطلب بها طعامه من الطباخ .. ووقف في طابور آخر وعقله لازال بالخارج في طابور الجائعين .. أما قلبه فقد فارق جسده منذ اللحظة الأولى .. ووجد نفسه وقد أصبح عقل مشوش وجسد يعمل بشكل ميكانيكي بلا قلب يشعر ولا روح تغذي .. فقد فارقته الروح وأبت إلا وأن تظل مع البداية .. كي لا تخسر اللحظة التالية .
بعد أن أخذ طعامه .. خرج يبحث عن روحه .. إلا أنه لم يجدها .. وكأنها تبخرت فجأة كما وجدت فجأة .. ليست روحه .. وإنما الأنثى الأولى .. الأنثى الأصل .. الأنثى التي جعلته على يقين بأنه لم أرى إناثاً في حياته قبلها .. ماذا يفعل الآن وكيف يسير بلا روحه وقلبه ؟؟ .. وكيف يعود لأرض الواقع بعد أن طار بسماء الوجود السرمدي ؟؟ .. وكيف يكمل المحدود طريق اللامحدود ؟؟ .
تراه أحبها ؟؟ .. وكيف يكون الحب في لحظة .. هل هذا ما يطلقون عليه "الحب من أول نظرة" ؟؟ .. وكيف له أن يعيش بدونه ؟؟ .. نعم بدونه .. فما رآه فيها لم يكن إلا هو متجسداً فيها .. فحينما تتلاقي الأرواح المتشابهة .. هذا يعني أنها كانت نفس الروح في عالم آخر .. وانشطرت بلعنات الحاقدين .. وتلك اللحظة ما كانت إلا لحظة تلاقيها بالصدفة المعدة مسبقاً من سيد الأقدار العظيم .
لم يجد المأسوف على حاله سوى أني يعود مرة أخرى للقهوة التي كان يجلس عليها كيف ينهي ما بدأه في رحلة الطعام المشئومة .. التي جعلته يدرك ما كان ينقصه .. وحين وجده .. تم النقصان بإنسحاب نصفه الأصلي"كيانه" مع نصفه الآخر "هي" .. فالآن هو نفسه أصبح سراب .. أصبح لا شيء .
وحينما جلس على كرسيه .. ووضع طعامه على المائدة .. صرخت في وجهه : إنت أخرت كل دة ليه ؟؟ .
ما كانت هذه سوى زوجته التي وعدها بالخروج يوم أجازته على القهوة ليستعديا معاً أيامهم الأولى في تعارفهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة