Translate

السبت، يوليو 21، 2012

حورية البحر

البدايات .. لعنة كل قصة

أسير على شاطئ البحر .. ألهو بيداي في جيوبي الفارغة .. المثقوبة .. محني الرأس .. من حين لآخر أقوم بركل اللاشيء .. وأركله في غيظ أحيانا .. وبرقة أحيانا .. أقف لحظات لأتابع مشهد ما .. طائر النورس يصطاد الأسماك الملعونة .. سفينة عملاقة على خط الأفق تخرج منها الأشباح .. غواص في حضن البحر يبحث عن قوته .. أو حلمه .
يلسع شعاع الشمس جلدي فيقوم رذاذ الماء بتلطيف الحرارة .. وحين أصل لمنطقة الصخور على الشاطئ .. أجلس حيناً .. أتابع خط الأفق السرمدي .. وأرى ما أرى .
قطاراً يسير الهويني على قضباناً من زبد البحر .. جرار وثلاث عربات .. تتصاعد أعمدة من بخار الماء الساخن من مدخنة القطار وتعلو حتى السماء مكونة قوس قزح .. تلهو الدلافين حول القطار .. وتتقافز أعلاه من حين لآخر ..  تلمع أضواء من داخل عربات القطار .. هناك إحتفال ما يدور بالداخل .
أراقب الموقف في وجم .. ولم يعنيني ما أشاهد من مشهد خيالي .
فجأة .. يحيد القطار عن مساره .. ويتجه نحو الشاطئ .. يقترب القطار وأنا لازلت في وجومي .. ترفعه الأمواج تارة وتنزله تارة أخرى حتى يختفي بين الأمواج .. وإذا به يتوقف عند الصخور .. وتنفتح أبوابه .. حينها فقط إهتممت بالنظر داخل هذا القطار السحري .
دخان متلون بألون قوس قزح يخرج بكثافة من عربات القطار .. الرؤية غير واضحة .. الفضول داخلي يتزايد .. أقترب من العربة الأولى .. أسمع صوتاً يناديني بإسمي .. أدخل وسط الدخان وأنا أتحسس الجدران .. يزول الدخان تدريجيا حتى الدرجة التي تسمح لعيني برصد منتصف العربة فقط .. وهناك .. رأيتها .
سمكة لا أعرف تحديداً نوعها .. ولكن يكسوها لون وردي باهت حزين ..  السمكة في منتصف العربة .. تتقلب على جوانبها من حين لآخر .. وقفت مدهوشاً ومشدوداً .. اقتربت منها في توجس شديد .. خوفاً عليها .. وكدت أنا أترك العربة وأخرج .. لولا أنا سمعتها تناديني بإسمي .. وهنا فقط كسرت الحواجز وجريت ناحيتها .. حملتها بحنان على كفي .. نظرت لي بعين ناعسة .. حالمة .. ونادت إسمي مرة أخرى .. خفق قلبي بشدة حتى كاد أن يتوقف .. احتضنتها بين ذراعيّ .. وبحث عن أي مصدر للماء كي أحفظ رئتيها من الإنهيار بسبب الهواء العادي .. وجدت حوضاً زجاجيا لا بأس به .. مملوء بالماء .. وضعتها به دون تردد .. ولم أعلم لماذا لم أخرج من القطار  وأحررها في ماء البحر ... ويبدو أن هذا السبب تحديداً هو الذي جعلها تختفي فجأة حينما غفلت عنها للحظة واحدة !!!!
تحسست طريقي وخرجت من العربة الأولى .. أفكر ملياً في ما حدث .. ولما إختفت سمكتي .. وقته لم أجد أي تفسيرات منطقية .. ولسان حالي يقول : مابال المنطق بقطار سحري يمشي على الماء .
وحين كنت أفكر فيما حدث .. سمعت أصواتاً عديدة تخرج من العربة الثانية .. اقتربت متوجساً .. سمعت من جديد أصواتاً تنادي عليً .. تذكرت سمكتي .. وقررت البحث عنها بداخل العربة الثانية .. دخلت وسط الدخان الكثيف متحسساً مرة أخرى طريقي .. وقبل الوصول لمنتصف القطار .. إصطدمت بجسم لين .. وإذا به حصان البحر .. وكانت تلك أول مرة أراه في حياتي وجهاً لوجه .. سرحت عينايّ في شكله الجميل الودود - لدرجة أني نسيت كيف يقف في الهواء وهو كائن بحري - .. ناداني بإسمي .. فاقتربت .. ولكن اكتشف ان مصدر الصوت من الجهة الأخرى .. وحين إلتفت رأيت سمكة البهلوان بألوانها الزاهية الرائعة - وأيضاً تقف بشكل ساحر ما -  مشهدها أنساني كثيراً من همومي المتثاقلة على قلبي .. وحينها نادتني مجددا بإسمي .. وحينما اقتربت منها وجدت ان مصدر الصوت جهة أخرى .. توجهت ناحية مصدر الصوت لأجد سمكة أبو سيف هادئة في مكانها .. نادتني بإسمي مجدداً .. اقتربت منها .. وفي لحظة مفاجأة .. جرت نحوي السمكة شاهرة سيفها المدبب بإتجاهي .. جريت مبتعداً إلا أنني وجدت سمكة البهلوان وحصان البحر يسدان عليّ طريقي .. فجريت مبتعداً عنهم .. ولكني تهت في طريقي .. حتى أنني لم أجد طريق الخروج من العربة .. جلست على الأرض أغطي رأسي بذراعي .. منتظراً مصيري المحتوم .. فوجئت بيدٍ تسحبني من يداي وتطير بي فجأة خارج العربة .. وبسبب الدخان الكثيف لم أرى من قام بهذا .. وحينما خرجت من العربة أجبرت آشعة الشمس القوية حدقتاي أن تنغلق عن آخرهما لتصيبني بعمى مؤقت يجعلني لم أرى سوى ظل منقذي وهو يدلف إلى العربة الثالثة .
ناديته .. ولم يجيبني .. جريت خلفه .. ولكن كنت في غاية الخوف من الدخول للعربة الثالثة .. خوفاً من صدمة جديدة مثل فقدان سمكتي الأولى ومثل الهجوم الأخير .. ناديته .. يا منقذي .. أين أنت .. سمعت صوتا ضعيفا جداً لم يجعلني أتيقن إن كان ناداني أم أنه يجيب ندائي أم أنها مجرد هلوسة .. وهنا .. سمعت هدير محركات القطار يعلو فأيقنت أن القطار سيتحرك .. وبدأت أبواب القطار في الإنغلاق .. وفي جزء من الثانية دارت في عقلي كثيراً من المعادلات التي نتج عنها قراري بدخول العربة الثالثة مخاطراً بأن يبتلعني هذا القطار إلى الأبد .. وبالفعل جريت إلى داخل العربة الثالثة قبل أن ينغلق بابها ويتحرك القطار إلى وجهته مجدداً ناحية الأفق السرمدي .
هذه المرة كان الضباب أقل كثافة من سابقيه .. وإن كانت الرؤية لا تزال غير واضحة .. ومع تعمقي في السير داخل العربة .. وجدتها .. حورية البحر .

جمدت في مكاني .. اتسعت عيناي عن آخرهما .. فتحت فمي وأنا أشهق .. خانتني قدماي فوقعت على الأرض .. إلى أنني قبل أن ألامس الأرض .. وجدتها من تحتي تستقبل وقوعي بين أحضانها .. نظرت في عينيها الخلابة .. تهت في كون ساحر .. أضواء تعمي بصري وتقوي بصيرتي .. شعرت بأصابعها تلعب في شعري .. وأنفاسها الحارة تدفئ جسمي البارد وتعيد لدورة الحياه رونقها بداخلي .. مالت على رأسي وطبعت قبلة هادئة على جبيني .. انتابت جسمي قشعريرة حياه .. شعرت بهاله من الروح تحيط بي .. شعرت بجلدي تتفتح مسامه عن آخرها وتتنفس .. همست في أذني بإسمي .. فذاب كل ما كان صلباً بي .. وتلامست شفاهنا .. وتحول التلامس لعناق شفاه .. وغاص جسدي في كيانها .. وغاص كياني في جسدها .. وبعد حين .. غاب عقلي بأكمله عن الوجود .
فتحت عيني .. ومرة أخرى أجبرتني آشعة الشمس أن أغلقها .. وجدتني نائماً على الشاطئ .. قمت من رقدتي أبحث عن قطاري السحري .. إلا أنني لم أجده .. ألقيت بجسدي كله على الرمال .. أبكي .. أبكي بحرقة .. أصدم رأسي في الرمال .. أنظر للبحر وكلي حسرة .. أنادي بأعلى صوتي .. أين أنتي يا حوريتي .. أكان كله حلم  ؟؟ .. حلم جميل .. لن يتكرر .. من جديد أصدم رأسي في الرمل كالنعام .. وأمكث في هذا الوضع هنية .. ولازالت دموعي تروي الرمال .. وحين فتحت عيني وجدتني أنظر إلى قدم .. قدم رقيقة .. قدم نسائية .. قدم إمرأة .
رفعت رأسي وإذا بي أنظر إلى حوريتي .. ولكنها في ثوب آدمي .. فستان أحمر اللون .. وجدتها تنظر إلي نظرة تسائل عن سر بكائي .. لم أتكلم .. ولم أجاوب عيناها .. ولكني توقفت عن البكاء .. وقمت من على الأرض .. ونظرت ملياً في عينها .. وأخذت يدها فقبلتها .. وهي مستسلمة لما أفعله .. أخذتها في حضني .. فلم تنهرني .. جربت أن أغمض عيني وأفتحها .. وحين وجدتها لا تزال بحضني .. علمت أنني لا أحلم .. وأنني أحضن حوريتي .. حوريتي .

هناك تعليق واحد:

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة